خلال ورشة تدريبية نظمتها إدارة سلامة الطفل ضمن مبادرة “إعلام مسؤول.. طفل آمن”
أكد عدد من الأكاديميين المتخصصين أن تناول قضايا الطفل بمهنية في الصحافة والإعلام من شأنه أن يرفع الوعي بحقوق الطفل، ويعزز من أثر المحتوى المكتوب والمرئي على بناء ثقافة مجتمعية تقدّر خصوصيّة الصغار وتدرك ما يمكن أن يتعرضوا له من أذى نفسي وجسدي جراء كلمة أو صورة منشورة.
جاء ذلك خلال ورشة تدريبية خاصة للإعلاميين نظمتها إدارة سلامة الطفل التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، بالتعاون مع مركز التعليم المستمر والتطوير المهني بجامعة الشارقة، تناولت محورين الأول الحماية الاجتماعية وتأثير الإعلام على الصحة النفسيّة للطفل، والثاني حق الطفل بالخصوصية في الإعلام.
وتأتي الورشة ضمن مبادرة “إعلام مسؤول.. طفل آمن”، التي أطلقتها الإدارة عام 2018 بتوجيهات قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة والرامية إلى رفع معايير حماية حقوق الطفل عند تناول قضاياه في المواد الصحفية والإخبارية والوسائط المصورة، إذ تعد هذه الورشة التدريبية الثانية ضمن فعاليّات المبادرة وذلك بعد النجاح الذي حققته الورشة الأولى التي عقدت في أكتوبر الماضي.
وشارك في تقديم الورشة نخبة من المختصين الأكاديميين أعضاء الهيئة التدريسية بجامعة الشارقة وهم، الأستاذ الدكتور أحمد فلاح العموش، أستاذ علم الاجتماع التطبيقي في كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، والأستاذ الدكتور فاكر الغرايبة أستاذ العمل الاجتماعي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعيّة، والدكتور محمد نور الدين سيّد أستاذ مشارك في كلية القانون، بحضور سعادة الأستاذ الدكتور راضي الزبيدي، مدير مركز التعليم المستمر بجامعة الشارقة، وسعادة هنادي صالح اليافعي، مدير إدارة سلامة الطفل، إلى جانب أكثر من 40 مشاركاً من الإعلاميين والمسؤولين من المؤسسات الحكومية والتربوية في الدولة.
وقالت هنادي صالح اليافعي: “تستكمل الورشة ما تم تقديمه في الورشة الأولى من مبادئ مهنيّة لمعالجة قضايا الطفل في الإعلام وكيفية بناء سياسة إعلامية مسؤولة تجاه الأطفال، إذ تبيّن أهمية الانتباه إلى تأثير الإعلام على الواقع الاجتماعي والصحة النفسيّة للطفل وانعكاسات ذلك على الأسرة، وإن اكتساب الإعلاميين المعرفة في مفاهيم وأدوات من علم الاجتماع وعلم النفس وأنماط التنشئة الأسرية المختلفة يساعدهم على تقديم أخبار وتقارير متكاملة عند تناول قضايا الطفل دون المساس بسلامته النفسية أو كرامته أو خصوصيته، ويسهم في ترسيخ ثقافة إعلامية تضع سلامة الطفل أولوية”.
الإعلام والحماية الاجتماعية
وأكّد الأستاذ الدكتور أحمد العموش على أهمية المسؤولية الاجتماعية للإعلام عموماً والإعلام الرقمي على وجه الخصوص تجاه حماية الأطفال والمجتمع من الإساءة، ونشر الأخبال المتعلقة بالحوادث التي يتعرض لها الأطفال بما يراعي ثقافة المجتمع وتقاليده.
وقال الدكتور العموش: “الإساءة للطفل تعد مشكلة عالمية وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، ولكل مجتمع خصوصية ثقافية تختلف عن المجتمعات الأخرى في تعريف التربية وأساليبها وحدودها والتي قد تصبح إساءة وإيذاء للطفل يهدد حياته ومستقبله، حيث أكدت المنظمة أهمية قياس شعور الطفل تجاه الممارسات والسلوكيات التي ينتهجها الوالدان ومقدمو الرعاية في التعامل معه”.
وذكر أن أنواع الإساءة تتضمن المادية والعاطفية والجنسية، والإهمال أو المعاملة المنطوية على إهمال أو تجارة أو غيرها من أشكال الاستغلال المنتجة ضرراً فعلياً أو محتملاً على صحة الطفل أو بقائه حياً أو نموه أو كرامته.
ودعا الإعلاميين إلى البحث عن الحقائق عبر النظر إلى القضية بطريقة متكاملة ابتداء من دراسة البيئة الاجتماعية والأسرية، والانتباه إلى مؤشرات الخطورة المحيطة بالطفل التي قد تشير إلى أسباب وقوع الحادث أو الانتهاك، ليسهم العمل الإعلامي المتعلق بقضايا حقوق الطفل في تقديم التوعية الحقيقية، لا أن يكون مجرد ناقل الخبر بتفاصيله المثيرة التي قد تؤدي إلى إيذاء الطفل والأسرة.
وأكد الدكتور العموش على أهمية الابتعاد عن تضخيم الحدث إعلامياً بما قد يضر الطفل وأسرته، وإدراك شعور الطفل وحماية خصوصيته، مع التركيز على مفاهيم التنشئة الاجتماعية والأسرية للأطفال وإدراك تأثيرها في رفع مؤشرات الخطورة المحيطة بالطفل.
التوعية بمفهوم العنف
وبدوره شدد الأستاذ الدكتور فاكر الغرايبة على أهمية امتلاك الإعلاميين معرفة ودراية بمفهوم العنف وأنواعه ومسبباته وآثاره والجوانب المتعلقة بالصحة النفسية للطفل ولمختلف أفراد المجتمع، والعمل على توعية المجتمع بذلك ومعرفة ما يجب أن يقدم للجمهور وخصوصاً في الإعلام المرئي وتدقيق المحتوى ومدى مناسبته للأطفال بمختلف فئاتهم العمرية لكي لا يكون الإعلام جزءاً من تعرض الأطفال لـ”العنف المشاهد”.
ونوه الغرايبة بأن أكثر أنواع العنف انتشاراً ليس بالضرورة العنف الجسدي ولكنه الأكثر توثيقاً باعتبار أن الحالات تكون مدوّنة ضمن سجلات المشافي والمراكز الصحية، مضيفاً أن العنف الأكثر شيوعاً هو العنف النفسي وبأن تلك الحالات غالباً ما تكون غير مسجلة، وحذّر من خطورة العنف الأسري الناتج عن مشاهدة الطفل للعنف الصادر من أحد أفراد الأسرة سواء كان من خلال سماع أو مشاهدة العنف أو الإساءة.
حق الطفل بالخصوصية
من جانبه، أكّد الدكتور محمد نور الدين سيّد أن الخصوصية في العالم التقني الذي نعيشه والفضاء الذي يتسع لمختلف وسائل الإعلام الجماهيري والاجتماعي، تواجه خطراً شديداً ما يستدعي الاهتمام بالمحتوى الإعلامي والامتناع عن انتهاك حق الطفل في الخصوصية.
وعرّف الدكتور سيّد الحضور بقانون حماية الطفل في دولة الإمارات العربية المتحدة (قانون وديمة) وأوضح أنه يشمل جميع المجالات المتعلّقة بحقوق الطفل، والآليات التي تضمن تطبيقه والعقوبات الرادعة، مشيراً إلى أنه يتضمن 75 مادة قانونية، منها ما يتعلق بحماية خصوصية الطفل وسمعته وحمايته من الإساءة، سواء بنشر خبر أو صورة أو تعليق يتضمن اسم الطفل، أو صورته، أو أسرار من جوانب حياته أو حياة أسرته.
واستعرض المواد القانونية المتعلقة بحماية حق الطفل في الخصوصية الواردة في قوانين مختلفة من قانون المطبوعات والنشر، وقانون العقوبات، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وأخيراً قانون مكافحة الاتجار بالبشر.
وشهدت الورشة جملة من المداخلات والنقاشات التفاعلية التي أكدت على أهمية توفير أعلى درجات الاستقرار للطفل سواء في الأسرة أو المدرسة ودور الإعلام في تعزيز الاستقرار الأسري والاجتماعي والنفسي للطفل، ونشر ثقافة احترام حقوق الطفل، وضبط السلوكيات التي قد تنتهك خصوصية الطفل وأسرته.